المدارس في العصر الإسلامي
المقدمة :
تحتل الآثار الاسلامية مكانة فريدة بين الاثار الأخرى ،
ولقد اعتني المسلمون بعلم الاثار بعد أن لفت القرآن الكريم انظارهم لأخذ العبر من
اثار الامم السابقة ، ومن العرب الذين اهتموا بعلم الاثار (الهمداني والأزرقيي
والكندي ) ، ولقد وجه الغرب انظاره الي الشرق مع بداية القرن 18م بعد ان ادرك
مكانة الاثار التي تأثروا بفنونها ، ولقد اهتم علماء الغرب بالأثار الإسلامية ومن
اهم الشخصيات التي كان لها دور عظيم في نشأة دراسة الأثار الإسلامية (كرابتشك و
فان برشم و جايية وسلادين ) ، وقد اتجه الاهتمام بدراسة الأثار الإسلامية في
اتجاهين رئيسيين الاتجاه الاول هو اتجاه وصفي تسجيلي اي يهدف الي وصف ودراسة
الأثار الإسلامية بفروعها المختلفة سوء
الظاهرة فوق الأرض او المحفوظة في المتاحف ودور العرض العامة والخاصة ، ام الاتجاه
الثاني وهو الاتجاه التطبيقي الكشفي الذي يهدف الي اجراء الحفائر المختلفة للكشف
عن العديد من المدن الإسلامية التي تردد ذكرها في صفحات التاريخ المختلفة وكتابات
الرحالة العرب والرحالة الأجانب .
وسوف نتكلم في هذه الصفحات علي أحد جوانب الأثار
الاسلامية وهو الجانب المعمار وبتحديد عمارة المدارس في العصر الاسلامي ، والجدير
بالذكر أن العمارة الإسلامية كانت ولا تزال تحتل مكانة مرموقة بين طرز العمارة
التي عرفتها الحضارة الإنسانية ولقد استطاعت العمارة الاسلامية تحقيق هذه المكانة
لم حققته لنفسها من طراز فريد بين جميع الطرز
ومن جهة أخري أضافة العمارة الإسلامية الي التراث
المعماري العالمي نظم تخطيطية لم تكن معروفة من قبل كالمساجد والمدارس والخانقاوات
والزوايا وغير ذلك ،ولقد ادخلت العمارة الاسلامية علي نظام العمارة الجنائزية
والمدنية والحربية أنظمة جديدة جعلت لها طابع فريد .
ام بالنسبة للمدارس الإسلامية فقد اختلف العلماء
والباحثين حول أصل نشأتها في الحضارة الاسلامية وحول العوامل التي كانت سبباً في
ظهورها وانتشارها في العمارة الاسلامية
وحول نظم تخطيطها ومصادرها ، وتعد المدرسة كيان معماري مستقل وطرز مستحدث بعد
المساجد في العمارة الدينية الإسلامية ، ولم تكن المدرسة معروفة قبل القرن الثاني هجرياً
، ثم انتشرت في مدن المشرق الاسلامي خلال القرن الرابع هجريا.
المضمون:
فيم يلي سوف نتحدث عن اشهر الطرز التي صممت علي اساسها
عمارة المدارس في جميع الاقطار الاسلامية المختلفة
* مصر
لقد عرفت المدارس في مصر في أواخر العصر الفاطمي في
الإسكندرية أولاً ثم في القاهرة ، وخلال العصر الايوبي انشئت بمصر 25مدرسة منها
22مدرسة بالقاهرة ومدرستين بالفيوم ومدرسة واحدة بالإسكندرية ولم يتبق من هذه
المدارس سوي بقايا مدرستين وهما دار (الحديث الكاملية)من عام622ه ، والمدارس
الصالحية النجمية 639ه ، وفي العصر المملوكي بنيت العديد من المدارس التي ملأت
احياء مصر ، وعلي الرغم من ذلك لم يبقي من
كل هذه المدارس سوي 48 مدرسة بالقاهرة ،بالإضافة
الي اربع مدارس فرعية ملحقة بمدرسة " السلطان حسن " وبذلك يصبح
عدد المدارس الباقية 52 مدرسة مملوكية ، وتنقسم تخطيطات هذه المدارس الباقية الي
ثلاث انواع وهي :
أ- التخطيط ذو الايوان :
يعد هذا النوع من التخطيط أكثر أنواع التخطيط شيوعاً
وانتشاراً حيث يبلغ عدد المدارس المصممة وفق ذلك النوع 44 مدرسة مملوكية بالإضافة
الي المدرستين من العصر الايوبي ويمكن حصر تخطيطات هذا النوع في خمسة نماذج وهي :
النموذج الاول : وهي عبارة عن صحن أوسط مكشوف تحيط به أربعة أيونات أكبرها وأعمقها ايوان
القبلة في الغالب ومن امثلته ، مدرسة الناصر محمد ومدرسة صرغتمش ومدرسة السلطان
حسن وغيرها .
النموذج الثاني :وهو عبارة عم صحن يحيط به ايوانان
رئيسيان هما الإيوان القبلي والإيوان البحري ، وسدلتان جانبيتان ، امثلته الباقية
كل من مدرسة قلاوون ومدرسة مثقال ومدرسة جوهر اللالا والمدرسة الجوهرية الملحقة
بالأزهر قبل 844ه وغيرها.
النموذج الثالث : وهو عبارة عن صحن اوسط مغطي غالبا
ومكشوف أحيانا يحيط به ايوانان رئيسيان هما ايوان القبلة والايوان البحري ، ومن
امثلة هذه المدارس (دار الحدث الكاملية ).
النموذج الرابع: وهو عبارة عن صحن ، مكشوف او مغطي يشغل
ضلعه القبلي ايوان رئيسي واحد وهو ايوان القبلة ومن امثلة ذلك المدارس الاربعة
الفرعية الملحقة بمدرسة السلطان حسن.
النموذج الخامس: وهو عبارة عن صحن أوسط مكشوف تحيط به
ثلاثة ايوانات كما هو الحال في مدرسة تتر الحجازية وهي نموذج فريد في عمارة
المدارس المصرية الاسلامية.
ب- التخطيط المتأثر بالتخطيط العربي التقليدي للمساجد
الإسلامية:
وهو عبارة عن صحن مكشوف او مغطي ، ومقدم ومؤخر
ومجنبتان ، ومن امثلة المدرسة الاقبغاوية الملحقة بالأزهر ومدرسة قاني باي الجركس.
ج- التخطيط المتأثر بالتخطيط العربي غير التقليدي
للمساجد
وهو التخطيط الذي اطلق عليه اسم التخطيط ذو الأروقة دون
الصحن الأوسط ، ومن امثلة ذلك المدرسة البندقدارية وتعرف بزاوية الآبار ، والمدرسة
الطيبرسية الملحقة الأزهر.
وكان تقرير اي درس او اي وظيفة في المدارس يتوقف علي
رغبة الواقف وامكانياته.
*العراق
من المعروف ان المدارس انتشرت برجة كبيرة إلا انه لم يتبق
من هذه المدارس سوي القليل ومنها المدرسة الشرابية المعروفة بالقصر العباسي ،
والمدرسة المرجانية ببغداد بالإضافة الي مشهد الأربعين في تكريت الذي يرجح انه كان مدرسة ، والمدرسة المرجانية
ونستطيع أن نميز بين نمطين في عمارة هذه المدارس :
1- النمط المربع:
ويتمثل هذا النمط في مدرسة الشرابية والمدرسة المرجانية
ومشهد الأربعين ، ويشتمل هذا النمط علي صحن مكشوف يشغل ضلعه القبلي مسجد المدرسة ويقابله ايوان رئيسي واحد
يرتفع الي ما يوازي ارتفاع الطابقين في الشرابية والمرجانية والمسجد
في هذه المدارس متشابه الي حد كبير فهو عبارة عن مساحة مستطيلة تطل علي
الصحن بثلاث ابواب ويسقف هذه المساحة قبة
في الوسط وقيوانان جانبيان او ثلاث قباب ، كما يتميز هذا النمط بوجود مدافن ذات قباب ملحقة بالمدارس .
2-النمط المستطيل:
ويتمثل هذا النمط في المدرسة المستنصرية ببغداد ، ووهي
عبارة عن مساحة مستطيلة تمتد من الشرق للغرب وتشمل هذه المساحة في ضلعها القبلي
مسجد المدرسة وهو يشبه مساجد النمط المربع ، ويقابل المسجد ايوان المدخل ، ام
الضلعين القصيرين لصحن فيحتويان علي ايوانين صغيرين ، وتشغل حجرات المدرسة المساحة
المحصورة بين الايونات والمسجد وتعلوها غرفة في الطابق الاول ، وتفتح حجرات الطابق
الاول علي الصحن مباشرة ، ويمكن القول انه علي الرغم من ان المدارس العراقية صممت
علي الطراز الايواني الا انها عولجت بطريقة
محلية والتي اكسبتها شخصية مستقلة.
*أسيا الصغرى :
من المعروف ان المدارس قد انتشرت بدرجه كبيرة في
الاناضول (اسيا الصغرى) علي يد الدول الإسلامية هناك ، ومنها الدانشمنديين
الارتقيين والسلاجقة ، وقد حصر بعض العلماء عدد المدارس الباقية في الاناضول خلال الفترة
من منتصف القرن السادس الهجري والثاني عشر ميلادي الي اخر القرن التاسع هجري
والخامس عشر ميلادي نحو 67 مدرسة
ويغلب علي تصميم هذه المدارس الطراز الإيواني ، الا انها عولجت بطريقة محلية مما اكسبها شخصية مستقلة قائمة
بذاتها وطابعا خاص مميزا لها ، ونستطيع ان نحصر نماذج هذا الطراز في نمطين رئيسين
النمط الاول: وتمثله المدارس الايوانية ذات الصحن المغطى
بقبه واذا كانت جذور هذا النمط فى مدرسه كومشتكين فى بصرة ، كما سبق القول الا ان
نظرة واحده من النماذج الاناضوليه الباقيه تؤكد مدى لختلاف اسلوب المعالجه
والتصميم مما اكسبها طابعا مغايرا ذو سمه لناضوليه محليه خاصه ومن امثله ذلك كلا
من : مدرسه ياغى باسان فى توقات ومدرسته الاخرى في نيكسار وكل منهما عباره عن صحن
مربع مغطى بقبه قطرها فى الاولى 14م، وفى الثانيه 11م، ويحيط به ايوانين مقبين، ولكنهما
ليس متقابلين فضل عن عدد من الحجرات المقبية ومنها مدرسة قرة طاي في قونية ، وهي
عبارة عن صحن مغطي بقبة وايوان رئيسي وحد توجد علي جانبيه حجرتان مربعتان بواقع
حجرة بكل جانب تغطيها قبة ومثلها في ذألك مدرسة انجه مناره لي في قنية .الا انه
تتميز بانها ملحق بها مسجد قبة ذو رواق
خارجي (سقيفة) فضلا عن المأذنة
النمط الثاني :
وتمثله المدارس الايوانية ذات الصحن المكشوف ومنها مدارس مفردة واخري ملحقة بالمسجد
ااو المجمعات ، ومن امثلة ذلك المدرسة المسعودية الملحقة بمسجد ديار بكر الجامع
وجفة مدرسة (المدرسة المزدوجة) في قيصرية والمدرسة بالمجمع خواند خاتون في قيصرية
ومدرسة صرجالي بقونية ، ومن العصر الابلخاني المدرسة الخاتتونية في أرضرم وفي عصر
البكوات ، المدرسة الملحقة بالجامع الكبير
في مغنيسة.
ب- مدارس المرحلة الثانية:
وتمثلها المدارس التي أنشئت خلال العصر العثماني سوي
كانت مدارس مفردة او ملحقة بالمساجد او
ضمن المجمعات المعمارية (الكليات) .
اذا كانت غالبية مدارس هذه المرحلة تعد استمراراً
المدارس النمط الثاني للمرحلة الاولي في مدارس الاناضول وهي المدارس التي صممت وفق
الطرز الايواني ذو الصحن المكشوف والمشار اليها سابقا ،الا انها قد عولجت خلال
العصر العثماني بطريقه خاصه واسلوب متميز مما اكسبها شخصيه مستقله قائمه بذاتها
وطابعا جديدا لا يختلف عليه اثنان في نسبته الى معماري العصر العثماني ،ومن جهة
ثانيه فانه ظهرت خلال ذلك العصر انظمه معماريه جديده للمدارس لم يسبق اليها في
عمارة المدارس الإسلامية.
* أسيا الوسطي :
ترجع أهم المدارس الباقية في أسيا الوسطي الي العصر
التيموري والعصر الشيباني ، ومن المدارس التيمورية (المدرسة الملحقة بجامع (كورامير)
بسمرقند ، ومدرسة (اولوغ بك )في بخاري ،
ورغم أن هذه المدارس قد صممت وفق الطراز الايواني الغالب علي عمارة المدارس
الاسلامية الا انها عولجت بطريقة محلية
خاصة مما اكسبها طابع معماريا وفنياً متميز في عمارة المدارس الاسلامية ، ويتمثل
جوهر التخطيط العام في هذه المدارس في
وجود الصحن الاوسط المكشوف وتحيط به أربعة أيوانات متماثلة بواقع ايوان يتوسط كل
ضلع من الأضلاع الأربعة للصحن ، وفي الفراغات المحصورة بين الأيونات ، تتوزع الحجرات
والغرف في طابقين كذلك تتميز هذه المدارس باشتمالها علي اربع قاعات متماثلة
للدراسة ، وقد صممت هذه القاعات وفق النظام الايواني ، ومن السمات الأخرى المآذن ،
ولقد استمرت المدارس خلال عصر الشيببانيين وما تلاه علي نفس النمط الايواني ولكن
مع اختلاف المعالجة وبعض العناصر والتفاصيل والمفردات .
* ايران :
لقد كانت ايران من أوائل الاقطار الاسلامية التي ظهرت
فيها المدارس قبل القرن الرابع هجرياً كما يستدل من الإشارات التاريخية والمصادر
المختلفة . ومنذ العصر السلجوقي وما تلاه انتشرت المدارس في ايران انتشارا كبيرا ، ولقد بنيت المدارس ام مفردة
وام ملحقة بالمساجد او المنشآت التجارية ومثال
علي ذلك كل من المدرسة السليمانية والمدرسة الناصرية بمسجد الشاه بأصفهان ومسجد
ومدرسة" علي أكبر باردبيل" وغير
ذلك ، اما بالنسبة لتخطيط العام لهذه المدارس فنلاحظ ان معظمها نفذ علي الطراز
الايواني الا انها قد عولجت بطريقة محلية خاصة ، مما أضف عليها شخصية مستقلة قائمة
بذاتها ، وبعض هذه المدارس عبارة عن صحن اوسط مكشوف تحيط بيه اربع ايوانات ،
وتتوزع بيوت الطلاب بين الايوانات الا ان هناك اختلاف في التفاصيل والعناصر
والمعالجة ، ومن ابرزها تصميم الكنبد خانه .
*اليمن :
من المعروف ان المدارس قد ظهرت في اليمن في أواخر العصر
الايوبي ، وفي العصر الرسولي انتشرت المدارس انتشارا كبيرا في اليمن ، ولقد كانت
مدارس العصر الرسولي سمة من سمات دولتهم ومظهر بارز من مظاهر الحضارة الاسلامية في
هذا العصر ، واستمر انشاء المدارس بعد بني رسول في عهد الدولة الطاهرية ، فبنيت
مدارس في جبن ورداع وتعز وزبيد وعدن وغيرها ، ويمكن تقسيم المدارس اليمنية الباقية
الي مجموعتين متميزتين :الاولي وهي المدارس الكبرى ، والثانية المدارس الصغرى ، ومن المدارس التي
تنتمي الي المجموعة الكبرى (المدرسة المعتبية ) و(المدرسة الأشرفية ) و(المدرسة
الظاهرية) بتعز ، و(المدرسة المنصورية) بجبن ، (والمدرسة العامرية) في رداع .
ومن المدارس التي تنتمي الي مجموعة المدارس الصغرى
(المدرسة المنصورية العليا) و(المنصورية السفلي) بزبيد والمدرسة الداعسية.
*سوريا:
من المعروف ان المدارس انتشرت في سوريا انتشارا كبير
خصوصاً في دمشق وحلب ، وأقدم مدرسة باقية في سوريا هي مدرسة (كومشتكين ) ، وكانت
مخصصة لدراسة المذهب الحنفي ، وهي عبارة عن صحن اوسط مربع مغطي بقبة ، وكان لهذه
المدرسة أثرها علي عمارة المدارس السلجوقية في الاناضول ويحاط بهذا الصحن المغطى
أربعة أيوانات أكبرها وأعمقها الايوان القبلي وبصدره المحراب وعلي جانبيه أربع
حجرات بواقع حجرتان في كل جانب يتوصل اليها من اربعة ابواب ، ويطل الايوان علي
الصحن ببائكة ذات ثلاث عقود أوسطها
وأوسعها الايوان القبلي .
الخاتمة
وهنا اصل الي نهاية هذه الدراسة البحثية والتي ذكرة فيها
احد اركان العمارة الاسلامية الدينية وهي المدارس وقد عرضت بعض الانماط والطرز
التي كانت منتشرة ومعروفة في العصر الاسلامي ولقد ذكرت نماذج من المدارس الاسلامية
المختلفة في العديد من الاقطار ، وارجو ان تنال هذه الدراسة البحثية اعجاب حضرتكم
.
1 |
الحضارة
والأثار الإسلامية ، د. أحمد سعيد عثمان |
2 |
عناصر
العمارة الاسلامية ، يحي وزيري |
3 |
المجمل
في الاثار والحضارة الاسلامية ، د. محمد الحداد |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق